مع شن روسيا هجومًا واسع النطاق، أمس الخميس، على أوكرانيا، تلوح في الأفق العديد من الآثار الاقتصادية المحتملة ليس فقط على أوروبا ولكن أيضًا على الدول العربية، بما في ذلك مصر.
تحصل مصر- أحد أكبر مستوردي القمح في العالم- على حوالي 80 في المائة من واردات القمح من روسيا وأوكرانيا معًا، وقد تهدد الأزمة بشكل مباشر عمليات التسليم هذه.
إقرأ أيضًا..
النفط يتخطى 100 دولار والذهب يصعد والأسهم تنخفض.. تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا حتى الآن
مصر، التي تكفي احتياطياتها الاستراتيجية الحالية من القمح لتغطية الأشهر الأربعة المقبلة، تنتظر بفارغ الصبر موسم توريد القمح المحلي الذي يبدأ في منتصف أبريل؛ لزيادة مخزونها الإجمالي ليغطي أكثر من خمسة أشهر، حتى نوفمبر المقبل تقريبًا، وفقًا لتقديرات للمسؤولين.
كما تضع الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، أعينها على 14 سوقًا بديلة أوصت بها الهيئات الزراعية المحلية- بما في ذلك البلدان غير الأوروبية مثل الولايات المتحدة والأرجنتين وكندا وباراغوا – لتلبية احتياجاتها من الحبوب.
ارتفاع أسعار القمح
هذا ليس كل شيء؛ أوضح نادر سعد المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن أحد المخاوف الرئيسية الأخرى هو أن التصعيد الحالي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار القمح في جميع المجالات.
تمثل روسيا وأوكرانيا معًا ما يقرب من 30 في المائة من صادرات القمح العالمية.
ودعا «سعد»، المواطنين إلى ترشيد استهلاك أرغفة الخبز لتجنيب البلاد- التي توفر لعشرات الملايين من المصريين خبزًا مدعومًا- أي انقطاع في إمدادات القمح في ظل الصراع.
ومن جهته قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن مصر تمضي على المدى الطويل في الإنتاج المحلي؛ بهدف زيادة الأراضي الزراعية على مستوى الجمهورية بمقدار مليوني فدان خلال العامين المقبلين.
وتتماشى هذه الجهود مع خطة الدولة لتوسيع اعتمادها على الإنتاج الزراعي المحلي، في عام 2021، استوردت مصر 5.5 مليون طن من القمح، بالإضافة إلى 3.5 مليون طن من المزارع المحلية، كما توقعت مصر انخفاض واردات القمح في 2022 إلى 5.3 مليون طن بسبب زيادة الإنتاج المحلي.
ماذا عن السياحة؟
السياحة، المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في مصر، عرضة لتداعيات الصراع أيضًا، وفقًا لخبراء محليين ودوليين، قبل جائحة الفيروس التاجي، شكلت عائدات السياحة في البلاد ما يصل إلى 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
إقرأ أيضًا..
حرب روسيا وأوكرانيا.. كيف نواجه جشع استغلال التجار للأحداث وفق القانون
روسيا وأوكرانيا من المصادر الرئيسية للسياح لمصر، وقد ينخفض هذا الرقم إذا استمر الصراع، مما يوجه ضربة خطيرة للقطاع الذي بدأ مؤخرًا في التعافي من جائحة الفيروس التاجي.
تشهد مصر انتعاشًا تدريجيًا في قطاع السياحة منذ الصيف الماضي، حيث تأمل الدولة في تحقيق معدلات عدد السائحين قبل الجائحة، والتي بلغت نحو 13 مليونًا في عام 2019.
ويرجع ذلك، بفضل استئناف الرحلات الجوية المباشرة من موسكو إلى شرم الشيخ والغردقة في أغسطس 2021 ، زار أكثر من 700 ألف روسي مصر في عام 2021، وشهد الأسبوعان الأولان من عام 2022 وحدهما وصول 125 ألف روسي.
جاء استئناف الرحلات الجوية الروسية إلى المدن المصرية الساحلية بعد توقف منذ عام 2015، بسبب تحطم طائرة روسية فوق سيناء، قبل ذلك قام حوالي 3.3 مليون روسي بزيارة منتجعات البحر الأحمر المصرية في عام 2014.
كما ساهم الأوكرانيون، بشكل كبير في قطاع السياحة المصري، حيث زار ما يصل إلى 1.2 مليون سائح مصر في الفترة من يوليو 2020 إلى يوليو 2021.
في خطوة استباقية، تضاعف الحكومة المصرية جهودها لجذب أسواق السياحة البديلة لتخفيف التأثير المتوقع للغزو الروسي المستمر، بحسب بيان لمجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي.
أسعار النفط مقابل الميزانية المصرية
كما يراقب المسؤولون، ارتفاع أسعار النفط بعد الغزو الروسي، لأن أي زيادة قد تضغط على ميزانية الدولة.
وأشار المتحدث باسم مجلس الوزراء، إلى أن التكلفة المحلية للمنتجات البترولية المدعومة من الدولة قد ترتفع بسبب الصراع.
منذ عام 2019 ، تقوم مصر بمراجعة وتعديل أسعار الوقود المحلية بشكل ربع سنوي من خلال توصيات لجنة التسعير التلقائي للوقود. تستند هذه التعديلات إلى السعر العالمي للنفط وتكلفة الإنتاج وسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي.
ورفعت مصر أسعار البنزين عدة مرات في السنوات الأخيرة كان آخرها 25 قرشا في وقت سابق من الشهر الجاري.
أدخلت الحكومة عدة استراتيجيات لتقليل الاعتماد على منتجات الوقود، مما يكلف ميزانية الدولة الكثير من الأموال، بما في ذلك تحويل المركبات التي تعمل بالبنزين للعمل بالغاز الطبيعي، والتي حققت مصر منها معدلات إنتاج غير مسبوقة في السنوات الأخيرة.
تم دعم الطفرة في إنتاج الغاز في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا من خلال اكتشافات ضخمة للغاز وإنتاجه ، وأكبرها حقل ظهر العملاق في البحر الأبيض المتوسط، والذي تم اكتشافه في عام 2015 ويُعتقد أنه أكبر اكتشاف للغاز على الإطلاق في مصر، والبحر الأبيض المتوسط.
فرصة تلوح في الأفق
من ناحية أخرى، قد يساعد الصراع مصر في أن تصبح موردًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال (LNG) لأن روسيا هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم حاليًا ، وفقًا للخبراء.
إقرأ أيضًا..
حرب روسيا وأوكرانيا.. أزمة خبز تطلّ برأسها على مصر (تفاصيل خطة الحكومة)
تشكل الأزمة الروسية الأوكرانية تهديدًا مباشرًا لإمدادات الغاز الطبيعي للدول الأوروبية، حيث يقال إن ما يصل إلى 40 في المائة من احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي تأتي من روسيا.
في عام 2020، صدرت روسيا أكثر من 40 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال وأكثر من 197 مليار متر مكعب من الغاز عبر خطوط الأنابيب.
إذا تم تهديد هذا العرض، فقد توجه أوروبا أنظارها إلى مصر لتلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي.
قبل أيام من الحرب المستمرة، أجرى مفوض الاتحاد الأوروبي للطاقة قدري سيمسون، محادثات حول فرص التعاون في مجال الطاقة مع وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا، بما في ذلك على المدى القصير والمتوسط بشأن الغاز الطبيعي المسال، وأكدت سيمون في حسابها على تويتر أن “مصر شريك رئيسي للاتحاد الأوروبي”.
تخطط مصر، التي حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي في عام 2018 ، لاستخدام موقعها على أعتاب أوروبا لتصبح موردًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال للقارة، والتي تنتقل بعيدًا عن أنواع الوقود الأحفوري الأخرى.
تمتلك مصر البنية التحتية لنقل ومناولة الغاز الطبيعي، مع شبكة رئيسية بطول 7000 كيلومتر من خطوط الأنابيب، بالإضافة إلى شبكة توزيع بطول 31 ألف كيلومتر و 29 محطة لمعالجة الغاز بالإضافة إلى منشأتي الغاز الطبيعي المسال التي تمتلكها.
مرفقان لتصدير الغاز الطبيعي المسال في مصر هما مصانع إدكو ودمياط، حيث تنتج منشأة إدكو التي تديرها شل 7.2 مليون طن سنويًا، وفقًا لأرقام ستاندرد آند بورز، بينما ينتج مصنع دمياط الذي تديره شركة إيني 5 ملايين طن متري / سنويًا.
وذكر الملا، في وقت سابق هذا الشهر أنه من المتوقع أن ترتفع صادرات مصر من الغاز الطبيعي إلى 7.5 مليون طن بنهاية السنة المالية 2021/2022.
وأوضح الوزير، أن إجمالي صادرات الغاز الطبيعي والمسال بلغ 3.5 مليون طن خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، ما يعني أن صادرات مصر من الغاز الطبيعي ستقفز بنحو 4 ملايين طن خلال النصف الثاني من 2021/2022.