عبر صفحات التاريخ، لن تجد لمصر سوى التمدد في العلاقات مع العالم، تفتح ذراعيها للجميع، وتتصدى لمن يحاول العبث معها، هي قلب العالم، ومركز الأرض، ولا تسعى سوى نحو التقدم والبناء والتنمية وتبادل الخبرات والثقافات والرؤى والأفكار في مناخ آمن وأجواء من السلام بعيدة عن الحروب والصراعات، حتى أنها تسعى دائمًا للمشاركة في حل النزاعات لدول الجوار سواء كان في القارة السمراء التي تنتمي إليها، أو في الوطن العربي الممتد في آسيا، وعبر الغرب الأوروبي والأمريكي، ودائمًا ما تُقدم يدها للجميع.
وفي آسيا لا ترتبط مصر بهذه القارة فقط لارتباطها بقوميتها العربية، ولكن تمتد بعلاقاتها عبر التاريخ إلى الشرق الآسيوي البعيد، لتجد رصيدًا من التواصل والتقارب في المواقف والقضايا السياسية الكبرى فضلًا عن التواصل الحضاري والثقافي، والأهم ذلك التعاون الاقتصادي القائم على أساس المنفعة المتبادلة، حتى أن آسيا تعتبر الشريك التجاري الثالث لمصر بعد أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إن لم تكن في الصدارة الآن.
بالأمس كانت ومازالت حتى يومنا هذا العلاقات المصرية الصينية، ولعلني اتحدث هنا عن أقصى الشرق ليعلم الجميع إلى أي مدى بعيد وصلت مصر في علاقاتها التي أخذت أن تطور بشكل كبير خاصة في الـ 8 سنوات الأخيرة وفي ظل القيادة السياسية الحالية والدبلوماسية المصرية الحكيمة، وتحديدًا في الآونة الأخيرة ظهرت تلك العلاقات التي شاركت فيها مصر بشكل كبير وظهرت فيها الجهود الدبلوماسية الحثيثة تجاه العلاقات المصرية الآسيوية، فكان التقارب ليس فقط في التبادل الاقتصادي والعلاقات المختلفة، ولكن أيضًا كانت المشاركة في الأزمات إذ تبادلت مصر مع دول الشرق الآسيوي المساعدات لمواجهة وباء كورونا الذي يجتاح العالم الآن.
تعززت العلاقات المصرية اليابانية أيضًا، إذ تُعد اليابان أكبر شريك تنموي لمصر وتنخرط في العديد من المشاريع القومية الكبرى، وانفتحت مصر نحو السوق الياباني للصادرات المصرية من الموالح؛ حيث تكللت تلك الجهود بالنجاح مع سماح الجانب الياباني في نوفمبر 2020 باستيراد الموالح المصرية، فضلًا عن وجود عدد من الخبراء اليابانيين للإشراف على منظومة المدارس اليابانية بمصر والجاري تطبيقها تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية.
اقرأ أيضًا: محمد عيد يكتب: نورتوا أرض التاريخ والسلام
وفي جنوب آسيا ووسطها وغربها تعاون مصري مثمر وسوق تجاري مفتوح في أنشطة مختلفة كإنتاج وتصدير اللحوم، وتقديم مصر العديد من المنح التعليمية لطلاب في التعليم العالي والأزهري، بالإضافة إلى منح في مجالات التنمية من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، وزيادة الصادرات المصرية، خاصة في مجالات الأدوية وصناعة الغزل والنسيج وتصدير الفواكه والخضراوات المصرية، بالإضافة إلى مشروعات مشتركة في مجال التعدين وصناعة الأثاث.. وغيره من المشروعات الاستثمارية الكبرى.
هذا أيضًا وتُعد مصر عضواً مؤسساً وشريكاً رئيسياً للبنك في مشروعات البنية التحتية بمحفظة تزيد قيمتها على مليار دولار، في قطاعات الطاقة والصرف الصحي وتنمية المناطق الريفية والتعافي من جائحة كورونا، لافتاً إلى أن البنك يعمل مع بنوك التنمية متعددة الأطراف لدعم مشروعات للنقل في الإسكندرية.
واليوم تتجه الدفة المصرية نحو كوريا الجنوبية، وبدأت مصر في قفزة جديدة بعلاقات بين البلدين تمتد إلى نحو أكثر من 80 عامٍ تقريبًا، ارتفعت فيها العلاقات إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية الشاملة في كافة مجالات التعاون، وتجددت فيها الدماء على نحو مستمر بعقود شراكة في مجالات مختلفة، حتى بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.890 مليار دولار عام 2021، ووصلت الصادرات المصرية إلى كوريا بحجم أكثر من 531.5 مليون دولار.
لذا تعد كوريا الجنوبية إحدى أهم الشركاء التجاريين لمصر بمنطقة جنوب شرق آسيا، ومصدرا مهما لنقل الخبرات والتكنولوجيات الصناعية لمصر، والتصنيع المشترك في مجال الإلكترونيات، بالإضافة إلى أنه يتم تصنيع المنتجات الكورية لسامسونج وإل جي بأياد مصرية، حتى أن 90% من صادرات مصر الإلكترونية تتم بتعاون مع كوريا الجنوبية، فضلًا عن مشروعات السيارات الكهربية وتحلية مياه البحر ومشروعات تطوير خطوط السكك الحديدية وتصنيع الأجهزة الطبية والدواء، والمنتجات البترولية والأسمنت والرخام والألومنيوم، وبحث سبل إقامة اتفاقية تجارة حرة بين مصر وكوريا الجنوبية.
هكذا تنفتح مصر نحو السوق الآسيوي باستراتيجية حكيمة تقوم على أسس السلام ومصلحة البلاد المشتركة من أجل البناء والتنمية، فضلًا عن أنها تكون بوابة العبور للانفتاح نحو السوق الإفريقي.. هكذا يكون الكبار دائمًا، وهكذا هي مصر عبر التاريخ بقوتها وحكمتها التي تقودها نحو البناء والتنمية.