عاشت مصر عقود طويلة تحت سيطرة وهيمنة الاحتلال الإنجليزي، وفي عام 1918 ظهر جيل جديد قرر أن يحمل لواء الحرية وسيف الجهاد من أجل تحقيق الاستقلال الوطني، والتخلص من الحماية البريطانية، لتعش مصر حرة مستقلة.
ومع اندلاع ثورة 1919، ومرور مصر بحقبة جديدة مليئة بالثورية وروي تراب الوطن بدماء الشهداء، كان لابد للظلام أن ينجلي وتبدأ مصر عصر جديد من الحرية.
كفاح ونضال ودماء في الشوارع وزعماء في المنفى، هكذا كان الطريق مليئًا بالأحداث والألغام السياسية والعسكرية حتى يمكن الوصول إلى تصريح 28 فبراير سنة 1922، والخاص بإلغاء الحماية البريطانية على مصر.
تصريح 28 فبراير وإلغاء الحماية البريطانية على مصر
في 28 فبراير 1922 أعلنت المملكة المتحدة بريطانيا من طرف واحد في لندن والقاهرة في هذا التاريخ، إنهاء الحماية البريطانية على مصر، والاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة.
سموم تصريح 28 فبراير1922 وإلغاء الحماية البريطانية على مصر
لكن الحقيقة أن المملكة المتحدة لم تكن لأن تترك الأمر بهذه السهولة، لتضع بريطانيا شروطها وأنيابها من جديد بطرق أخرى ملتوية، وتحفظ لنفسها الحق في تأمين مواصلات إمبراطوريتها في مصر، وحقها في الدفاع عنها ضد أي اعتداء أو تدخل أجنبي، وحماية المصالح الأجنبية والأقليات فيها، وابقاء الوضع في السودان على ما هو عليه.
رأي القادة في تصريح 28 فبراير 1922
وتشكل حرب الأحرار الدستوريين في 4 أكتوبر عام 1922م ، ووصف “عدلي يكن باشا ” والأحرار الدستوريين تصريح 28 فبراير بأنه أساس طيب للاستقلال وأنه لأول مرة في تاريخ المصري الحديث يتم الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة.
وقال إسماعيل صدقي : ( إن وزارة عبد الخالق ثروت التي كنت أحد أعضائها أعلنت إستقلال مصر وشكلت لجنة الدستور) وفي الجانب الشعبي وصف “سعد زغلول” تصريح 28 فبراير بأنه ( أكبر نكبة على البلاد ) ، ووصف لجنة الدستور بـ ( لجنة الأشقياء ) ، وكان ( الحزب الوطني ) يؤيد سعد والوفد في هذه المواقف.
وكانت الحركة الوطنية تسعى في ذلك الوقت إلى تحرير مصر من الاحتلال البريطاني وليس الانفصال عن الدولة العثمانية والاستقلال التام عنها، لأن ذلك في نظر الشعب المصرى كان من شأنه أن يفتت وحدة العالم الإسلامي، ولكن هذا الوضع أخذ يتغير عندما قامت الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م ) ودخلت الدولة العثمانية في حرب ضد إنجلترا، وقد انتهزت إنجلترا الفرصة لإنهاء السيادة العثمانية وفرض الحماية البريطانية في نوفمبر1914م ، وفي الوقت نفسه كانت الظروف العالمية تتهيأ على نحو يخدم الشعب المصري.
ولكي تجذب الولايات المتحدة شعوب العالم للتحالف ضد ألمانيا وتركيا والنمسا، فقد أعلن رئيسها ولسون مبدأ حق تقرير المصير ومبدأ تأليف عصبة الأمم لحل المشكلات سلميا ودون حرب ، وبعد انتهاء الحرب وهزيمة الدولة العثمانية وسقوط فكرة الجامعة الإسلامية معها أدرك الشعب المصري أنه غير ملزم بقبول السيادة العثمانية، وبرزت فكرة الجامعة المصرية (القومية المصرية) وهكذا تبلورت الحركة الوطنية حول فكرتين اساسيتين :
▪إنهاء الاحتلال البريطاني .
▪إعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة .
وقد تعلق أمل المصريين في تحقيق هذين الهدفين على مؤتمر الصلح المقرر عقدة في باريس 28 يونيه 1919م ، وقد اندهش المندوب السياسي البريطاني عندما تحدث سعد زغلول واصحابه عن السماح لهم بالذهاب لمؤتمر الصلح لأنهم تحدثوا عن الشعب لذلك ألف سعد زغلول ورفاقه من الوفد المصري.
وعندما علمت إنجلترا بالتحالف قررت نفى سعد زغلول وبعض أعضاء الوفد إلى جزيرة مالطة واندلعت الثورات ردا على هذا الفعل، وقد شملت كل طوائف وطبقات الشعب ، وهنا علمت إنجلترا أنها أمام ثورة شعبية شاملة لذا سارعت بتعديل ما فعلته، وقد تمثلت التعديلات في :
▪التساهل في الإفراج عن سعد وزملائه والسماح لهم بالسفر إلى باريس .
▪سد الطريق أمام الوفد من خلال اعتراف دول المؤتمر بالحماية على مصر .
▪الحصول على اعتراف الشعب ذاته بإرسال ( لجنة ملنر ) لإقناعهم .
وبذلك فوجئ الوفد المصري باعتراف المؤتمر بالحماية ولكنة لم ييأس وظل سعد زغلول في باريس يقود الحركة في مصر من خلال لجنة الوفد المركزية والتي كان لها الفضل في فشل خطة بريطانيا في إقناع الشعب حيث أمرت جميع طبقات الشعب بمقاطعة اللجنة ، وهنا شعر ملنر أنه لا سبيل له مع المصريين سوى بالتفاوض ..
وبدأت المرحلة الأولى بين (سعد وملنر) وكان هدفها إلغاء الحماية البريطانية على مصر والاعتراف باستقلال مصر التام الداخلي والخارجي ولكنها فشلت بسب إصرار بريطانيا على تحويل استقلال مصر لاستقلال شكلي عن طريق :
▪حماية المصالح الأجنبية .
▪حرمان مصر من إقامة أي علاقات مستقلة مع دول أخرى .
ومن ثم رفض سعد زغلول إبرام أي اتفاقيات واعتقل ونفى للمرة الثانية ولكن إلى جزيرة سيشل تمهيدا لإعلان ما عرف باسم ( تصريح 28 فبراير ) الذي نص على الاتى :
▪إنهاء الحماية البريطانية على مصر وتكون مصر ذات سيادة .
▪الغاء الأحكام العرفية التي أعلنت في 24 نوفمبر1914 إلى حين إبرام الاتفاقيات بين الطرفين يكون لانجلترا بعض التحفظات :
- تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر .
- الحق في الدفاع عن مصر ضد أي اعتداءات أو تدخلات خارجية .
- الحق في حماية المصالح الأجنبية في مصر وحماية الأقليات .
- الحق في التصرف في السودان .
هذه التحفظات لا تعطى مصر استقلال فعلى فهي تستمر في فرض الأحكام العرفية حيث انها بررت وجود جيش بريطاني في مصر، وحرمت مصر من تكوين جيش مصر، وكذلك بررت التدخلات البريطانية في شئون مصر، بالإضافة إلى أنها تعنى فصل مصر عن السودان.
رفض ذلك الشعب المصري، ولكن رغم ذلك فان أهم الايجابيات هو دخول مصر في المرحلة الليبرالية وتعنى ان الأمة المصرية أصبحت هي مصدر السلطات ، فلقد تألفت لجنة لوضع الدستور الجديد ( دستور1923 ) ، الا ان الملك تدخل لإعطاء نفسه بعض الصلاحيات في الدستور للتدخل في الشئون حيث أصبح من حقه حل البرلمان دون قيد أو شرط أو إقالة الوزارة مهما كانت رغبة الشعب ، ومن هنا بدأ تمرد الشعب واضح من خلال الثورات والجمعيات الوطنية واغتيال الجنود الأجانب الذي أثار ذعر الجاليات الأجنبية حيث كان يتم ذلك في وضح النهار .